تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة
شرح كتاب العظمة المجموعة الأولى
147610 مشاهدة
تفكر الإنسان يزيده بصيرة ويقين

...............................................................................


هذا هو الأصل، فإذا فكر الإنسان وتأمل رزقه الله عقلا ورزقه فهما، وعرف ما خلق له وعرف ما أمر به، وازداد بصيرة في دينه، وتأمل فيما بين يديه وما خلفه، وأيقن بأنه ما خلق عبثا ولن يترك هملا، كما أخبر الله بذلك في قوله تعالى: أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى أي مهملا لا يؤمر ولا ينهى. الذي أوجده، وأوجد هذا الكون كله وسخر لهذا الإنسان كل ما يحتاج إليه لا يمكن أن يهمله لا يؤمر ولا ينهى، بل لا بد أن يكون ربه الذي أوجده وخلقه، فرض عليه فرائض وأمره بأوامر ومن أعظمها أن يعرف ربه وأن يعبده وحده.
فمعرفة الله تعالى الذي هو رب الأرباب، والذي هو مدبر هذا الكون هي من أوجب الواجبات، وإذا عرفه عبده وحده، وأخلص العبادة له، وانصرف بقلبه وقالبه عن كل ما سوى الله تعالى ولم يبق في قلبه متسع لمخلوق. امتلأ قلبه بعظمة الله تعالى وبجلاله وبكبريائه؛ فيكون بذلك من أهل الإيمان حقا الذين صدَّقوا بأنفسهم وصدقوا ما عاهدوا الله عليه، وعرفوا ما خلقوا له وأتمروا بما أمروا به، فكانوا بذلك من أهل العقول الذين نفعتهم عقولهم.
قد سمعنا هذه الأدلة التي فيها الأمر بالتفكر أن يتفكروا في المخلوقات، وأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: تفكروا فيما خلق الله .... وكرر ذلك وقال: لا تتفكروا في الخالق لماذا؟ لأن صفات الخالق لا يحيط بها المخلوقون قال الله تعالى: وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا وقال: وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ .
فإذا عجزوا عن إدراك مواد هذه المخلوقات التي يرونها ويشاهدونها فهم بطريق الأولى أن يعجزوا عن إدراك كنه صفات الله تعالى وماهيتها، وما تكون منه لا شك أنهم عاجزون عن ذلك كما هو مشاهد. يعجز الخلق مثلا عن أن يدركوا لماذا تكون هذه الأرض منبتة وهذه غير منبتة؟ ولماذا تنبت هذه الحبة فيكون منها مثلاً شجرة كبيرة أو صغيرة، ويكون منها أو من نموها ثمر، ويكون منها أيضا أغصان وأفنان وأوراق وما أشبه ذلك. يغذيها هذا الماء الذي جعله الله تعالى مادة لهذه الموجودات.
كيف مثلا أن الله تعالى أوجد هذا البحر هذه البحار العميقة التي لا يقدر قدرها إلا الله، وكيف ما نضبت هذه المياه مع مرورألوف السنين عليها، وهي لم تنقص ولم تتغير، وكيف وجدت فيها هذه الحيوانات التي ملأتها كبيرة أو صغيرة منوعة لا يعلم عددها، ولا يعلم مادتها التي خلقت منها إلا الخالق وحده سبحانه.
لا شك أن هذا كله دليل على عظمة من أوجد هذه المخلوقات؛ فلذلك يتفكر الإنسان في هذه الموجودات التي بين يديه، ويصرف بصره ونظره وعقله عن التفكر في الخالق؛ لأنه عاجز عن أن يصل إلى ذلك، وإنما يتذكر أن ربه سبحانه أعظم من كل شيء وأجلّ من كل شيء وأكبر من كل شيء، وأنه الخالق لكل شيء، وأنه هو الخالق وما سواه هو المخلوق، ولعله بذلك يكون من الذين امتثلوا أمر الله بالأمر بالتفكر والتذكر.